بات هناك جدلا كبيرا في أمريكا حول الملياردير والفيلانتروپ جورج سوروس، في عالم تتقاطع فيه الثروة مع النفوذ، وتذوب فيه الحدود بين المال والسياسة، تبرز شخصية جورج سوروس كأحد أكثر الرجال إثارةً للجدل في العصر الحديث ...
ولد سوروس في بودابست، نجا من أهوال الحرب العالمية الثانية والاحتلال النازي، ثم شق طريقه إلى أمريكا ليصبح أحد أنجح المستثمرين في التاريخ. لكنه لم يتوقف عند حدود "وول ستريت"، بل وسّع نفوذه ليشمل السياسة، والمجتمع المدني، وحقوق الإنسان في أكثر من 100 دولة حول العالم.
بالنسبة للبعض، هو "المانح العظيم" لقضايا العدالة والديمقراطية. وبالنسبة لآخرين، هو الرمز الخفي لما يسمونه "النفوذ الزائد" و"التدخل في شؤون الدول".
لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن جورج سوروس، بعقله الاستثماري الحاد، وطموحه السياسي الجريء، وأمواله التي تقدر بمليارات، قد حفر اسمه في مساحات التأثير العالمية، وخلق حالة جدل لا تنتهي.
فهل هو صانع تغيير؟ أم محرك خفي للصراعات؟ أم أنه ببساطة، رجل قرر أن لا يقف على الهامش؟
من هو جورج سوروس (موجز)
- سوروس هو مستثمر ومموّل من أصل مجري-أمريكي، معروف بأنشطته الخيرية والسياسية من خلال مؤسسة Open Society Foundations التي تدعم حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحريات المدنية، والمجتمع المدني في الكثير من الدول.
- يملك تأثيرًا ماليًا وسياسيًا معتبرًا، من خلال التبرعات والمنح للمنظمات والأحزاب والمبادرات التي تُعنى بالقضايا الاجتماعية والعدالة.
ما هي النقاط المثيرة للجدل والانتقادات
عدة مجموعات وأفراد يوجّهون نقدًا كبيرًا مقابل نشاطاته وتأثيره، وإليك أبرز هذه النقاط:
-
التمويل والتدخل السياسي
- يُنتقد سوروس لدعمه القوي للقوى التقدمية (Liberal/Progressive) والحركات التي تسعى إلى التغيير الاجتماعي، مما يجعله هدفًا لمن يرونه “ذو نفوذ كبير” على السياسات المحلية والدولية.
- بعض المنتقدين يزعمون أن تمويله يؤدي إلى تحيز في الانتخابات أو تشجيع سياسات من “اليسار” (Progressive) تُعتبر مثيرة للجدل بالنسبة للمحافظين.
-
نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة
- سوروس واجه اتهامات بنشر الفوضى، أو التآمر خلف الكواليس، أو التلاعب بالأحداث الكبرى (مثل الاحتجاجات، الهجرة، حركة “Black Lives Matter”) وغيرها. كثير من هذه الادعاءات لا تستند إلى أدلة قوية.
- بعض هذه المزاعم يُنظر إليها على أنها منطلق لنزعة معاداة السامية، حيث تُستخدم لغة وتلميحات تاريخية ضد اليهود، أو تُشيَّر إلى “شبكات خفية” و”مؤامرات عالمية”.
-
الدعاوى حول تأثير السياسة الجنائية (“القانون والنظام”)
- سوروس يموّل بعض مدّعين عامّين (District Attorneys) وجماعات إصلاح العدالة الجنائية التي تدافع عن تغيير السياسات التقليدية فيما يخص الجرائم البسيطة، الكفالات، السجون، إلخ. بعض المنتقدين يقولون إن هذا أدى إلى ارتفاع في مستوى الجرائم في بعض المدن.
- الجدل لا يكون فقط حول ما إذا كانت هذه السياسات صحيحة من وجهة نظر إصلاحية، لكن أيضًا حول ما إذا كان الدعم المالي لسوروس يجعل هذه السياسات تُملى من خارج المجتمعات المحلية دون محاسبة كافية.
-
وسام الحرية الرئاسي وخلافات الشهادة العامة
- في عام 2025، مُنح سوروس وسام الحرية الرئاسي من الرئيس جو بايدن، مما أثار اعتراضات من الجمهوريين وبعض المحافظين الذين يرون أن تكريمه دعم فعلي لسياسيّاته وسياساته، خصوصًا في سياق الانقسام الحادّ في السياسة الأمريكية.
- البعض وصف هذا التكريم بأنه “إهانة” أو أنه يغذي فكرة أن النخبة السياسية تدعم شخصيات مثيرة للانقسام.
-
الادعاءات القانونية والتهم
- الرئيس دونالد ترامب وغيره طالبوا بتحميل سوروس وابنه تهمًا تستند إلى قانون RICO (قانون مكافحة العصابات والتأثيرات المنظمة) على خلفية مزاعم بأنهما يدعمان احتجاجات عنيفة، وهو ما لم يُثبت حتى الآن بصيغة قضائية واضحة.
- من جهة أخرى، مدافعوه يقولون إن هذه الادعاءات تُستخدم كأداة سياسية لتصويره كمجرم أو خائن دون أدلة ملموسة.
ما هي وجهات النظر الدفاعية والداعمة
في المقابل، هناك من يدافع عن سوروس ونشاطه، ويشير إلى:
- أن التبرعات والمنح التي يقدمها هي ضمن الحرية التعبيرية السياسية والمجتمع المدني. أن يكون شخص موّال لقضايا العدالة والتغيير لا يعني بالضرورة أنه يتدخل بطريقة غير قانونية.
- أن الكثير من الانتقادات والمزاعم هي مبالغ فيها أو تستند إلى نظريات مؤامرة أو معلومات مغلوطة.
- أن نشاط مؤسسته (Open Society Foundations) غالبًا ما يكون شفافًا، وتعاونها مع منظمات حقوقية يأتي ضمن معايير عمل المنظمات غير الربحية، ويُركز على دعم المبادرات المحلية والإنسانية.
- أن الانتقادات السياسية طبيعية في الديمقراطية، خصوصًا إذا كان له دور تمويلي كبير في السياسة. البعض يرى أن المشكلة ليست مع سوروس نفسه بقدر ما هي مع كيفية تنظيم التمويل السياسي في أمريكا بشكل عام.
خلاصة: لماذا هذا الجدل كبير؟
- لأنه يجمع بين المال والسياسة والتأثير المدني، وهي مواضيع حسّاسة في أي مجتمع ديمقراطي.
- لأن سوروس يُمثل وجهة نظر سياسية واضحة (في دعم الحقوق المدنية، الديمقراطية، التنوع)، وهذا يجعله هدفًا لمعسكرات سياسية تعارض هذه القيم أو ترى أنها تُخاطره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق