واشنطن - فادى لبيب : جورج سوروس هو مستثمر وفاعل خير مثير للجدل بدرجة كبيرة، ناشط في القضايا الديمقراطية، حقوق الإنسان، والمجتمع المدني عبر مؤسسته Open Society Foundations ...
دونالد ترامب هو رجل أعمال وسياسي، تولى رئاسة الولايات المتحدة (2017‑2021) ثم عاد لموقع قوي في السياسة الأمريكية، ويُعرف بخطابه الشعبوي والمحافظ، وميله لتوجيه اتهامات إلى خصومه السياسيين والمؤسسات التي لا تلتزم بأفكاره.
الخلاف بينهما ليس خلافًا بسيطًا حول سياسة واحدة، بل هو صراع أيديولوجي وسياسي وثقافي، له أبعاد متعددة: تمويل السياسة، حقوق الأقليات، الاحتجاجات، الديمقراطية، والنظام القانوني.
محاور الخلاف
فيما يلي أبرز المحاور التي قام عليها الخلاف بين سوروس وترامب، مع أمثلة من التصريحات والمواقف:
المحور موقف ترامب / الجمهوريين موقف سوروس / المناهضين له أمثلة موثّقة
تمويل الاحتجاجات والمناشط السياسية ترامب يتهم سوروس بأنّه يموّل أو يُشرف على فعاليات احتجاجية “عنيفة” أو “شغب”، ويطالب باتهامه قانونيًا، مثلاً باستخدام قانون RICO (قوانين مكافحة الجريمة المنظمة). سوروس ومؤسسته تنفون الأنشطة غير القانونية، وتقول إن نشاطها مدني وديمقراطي، يركّز على دعم حرية التعبير، حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية.
الديمقراطية والمجتمع المدني ترامب والجمهوريون غالبًا ما يرون أن المؤسسات الممولة من سوروس تميل إلى التشجيع على خطابات تقدمية، منحدر نحو الهجرة، تنويعات اجتماعية، انتقاد المؤسسة السياسية، كلها عناصر تُعدّ مقلقة لأقطاب المحافظة والسيادة. سوروس يرى أن تعزيز مؤسسات المجتمع المدني، حماية حقوق الأقليات، الديمقراطية، الشفافية، هي ضرورة لضمان أن لا تنحدر الأوضاع نحو الاستبداد.
الخطاب الشخصي والاتهامات ترامب يستخدم خطابًا مباشرًا، يقول إن سوروس “ينشر الهوّة”، ويدّعي أنه وراء الاضطرابات، يدعو لملاحقته قانونيًا. سوروس يردّ بأنه مستهدف سياسيًا، أحيانًا عبر خطاب مبالغ به، وأن الكثير من الاتهامات لا تستند إلى أدلة.
الأيديولوجيا والتوجه السياسي محافظون يرون أن سوروس يمثل التوجهات الليبرالية والتعددية، وربما التغيّرات الاجتماعية التي لا يرغبون بها، مثل تقليل القيود على الهجرة، دعم حقوق الأقليات. Trump غالبًا ما يواجه هذه التغيرات بمعارضة. سوروس يرى أن الديمقراطية الحقيقية تتطلب سياسات تحمي الحريات الفردية، دعم الأقليات، حكم القانون، وتشجيع مشاركة المواطنين، حتى لو استدعى الأمر تغييرًا في الممارسات السائدة.
أمثلة بارزة من التصريحات المتبادَلة
في يناير 2017، قبل مراسم التسليم، وصف سوروس ترامب بأنه "would‑be dictator" (دكتاتور محتمل)، “con man” (مخادع)، و”imposter” (مزيّف)، لكنه قال أيضًا إن الدستور والمؤسسات الأمريكية قد تقف في وجه أي محاولات للتجاوز على القوانين.
في أغسطس 2025، دعا ترامب مُنظّمة سوروس وابنه أليكس لملاحقة قانونية بموجب قانون مكافحة الجريمة المنظمة (RICO)، متهمًا إياهما بتمويل احتجاجات عنيفة وغيرها.
ردّت مؤسّسة Open Society بأن تصريحات ترامب "فجة وخاطئة" (outrageous and wrong)، وأنه لم يُقدّم دليلًا ملموسًا يربط سوروس بالأعمال التي تُنسب إليه.
جذور الصراع الأيديولوجي والسياسي
لتفسير لماذا هذا الخلاف كبير ومتجذّر، إليك بعض الجذور:
1. الفكري مقابل الشعبوي
سوروس يمثل تيارًا فكريًا يقدّم الديمقراطية التمثيلية، السلطة القانونية، حقوق الإنسان، المؤسسات التي تعمل خارج الحكم السلطوي، والمراقبة المدنية.
ترامب يميل إلى الخطاب القومي، السيادة، التشكيك في مؤسسات رقابية كثيرة، التشجيع على الولاء القومي والقيادة القوية.
2. تمويل السياسة كمصدر للجدل
دعم سوروس المالي للمآثر الليبرالية يُثير قلقًا عند المحافظين، الذين يرون أن المال يمكن أن يؤثر على الرأي العام والسياسات. ترامب يستخدم هذا كجزء من حملاته الانتخابية ووراء الاتهامات.
3. الخوف من فقدان المكانة التقليدية
المجتمع الأمريكي “المحافظ” يشعر أن تغيرات ديموغرافية، مهاجرين، توجهات اجتماعية متعددة، وغيرها، قد تغيّر المعايير الثقافية والسياسية التقليدية. سوروس وداعموه يُنظرون كعامل مؤثر في هذه التغييرات، مما يجعلهم الهدف.
4. الديمقراطية ومنع الاستبداد
سوروس كثيرًا ما يحذّر من النزعات الاستبدادية، من الحكومات التي تحاول تضييق الحريات، حرية التعبير، حرية الصحافة. ترامب يُتهم في المقابل من منتقديه بأنه يستخدم سلطاته بطريقة تستدعي القلق منها، وهو ما يثير رد فعل من سوروس.
الأسئلة المفتوحة والنقاط التي لا تزال موضع جدل
مدى صحة ودقة الاتهامات التي يوجّهها ترامب تجاه سوروس: هل هناك أدلة قوية تربطه بـ”احتجاجات عنيفة” أو تمويل لأنشطة غير قانونية؟ (حتى الآن كثير من هذه الاتهامات لم تُثبت علنًا).
مدى حيادية مؤسسات المراقبة والقضاة في التعامل مع هذه الخلافات، وهل تتجاوز الروايات السياسية إلى ملاحقات قانونية؟
تأثير هذا الخلاف على المجتمع المدني، حرية الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وحرية التعبير، خاصة في الولايات التي يتزايد فيها التشدد على المنظمات التي تدعم الخط الليبرالي أو التقدمي.
اذا فالخلاف بين جورج سوروس ودونالد ترامب ليس مجرد صراع بين شخصين، بل هو تعبير عن صراع أوسع حول هوية أمريكا، كيف تُدار الديمقراطية، ما هو دور المال في السياسة، ومن يملك السلطة والمعرفة لتحديد السياسات التي تؤثر على المجتمع. وهو صراع بين قيم: شمولية وحقوق الإنسان من جهة، وتسليم السلطة التنفيذية والقومية من جهة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق